التعلم بين الأهداف والكفايات قضايا وإشكالات

 خالد العسري

 التعلم بين الأهداف والكفايات قضايا وإشكالات

إن تدريس المعارف ونقلها إلى المتعلم هو المبتغى والهدف وراء تراكم وتناسل الكتب والمعارف على رفوف المكتبات وتولدها عند الباحثين بغرض كشف المستور والمبهم في ذلك الموروث الثقافي على اختلاف مضامينه وتنوع أهدافه .

ولما كان الأمر كذلك فقد عملت مجموعة من المدارس ـ سواء التي اهتمت بالسلوك الإنساني أو التي ركزت على الجانب المعرفي فيه ـ على تبني مفهوم التدريس من خلال خلفيات معرفية وفلسفية جعلت منه موضوعا مرنا قابلا للقياس والتوجيه . إذ يكمن القاسم المشترك بين هذه المدارس السيكولوجية في وضع حد أو تعريف للتدريس في كونه "عملية" . فورد عند السلوكيين باعتباره عملية تغيير شبه دائم في سلوك الفرد1، وورد كذلك في المدرسة الجشطلتية على أنه عملية تغيير في البنية المعرفية2   وفي المدرسة البنائية كان التدريس هو تقويم وتعديل لتمثلات  موجودة مسبقا فيه3 . ويأتي التعريف المعرفي الذي يصرح بشكل ضمني على أن التدريس هو عملية أيضا حيث ورد أنه مجموعة مسارات امتلاك معارف جديدة  ، وتخزينها في الذاكرة بطريقة تكون أكثر ملاءمة مع إجراءات تحليلها وإعادة تأليفها وصياغتها بقصد استعمالها فيما بعد 4 .

من خلال هذه التعاريف التي اجتمعت على كون التعلم هو عملية ذات أبعاد تطبيقية محظة تنطلق من تشخيص الظاهرة وتحليلها ثم تقديم حلول عملية في صورة متكاملة، فإن هذا سيقودنا حتما إلى نتائج تختلف من متعلم إلى آخر، وذلك لاختلاف بنيات المتعلمين وقدراتهم الإدراكية . بمعنى آخر إذا كان مفهوم التعلم منحصر في كونه عملية ذات أبعاد تتصل بالمدرس الذي يقوم بهذه العملية والمتعلم الذي هو الركن المستهدف والمادة المدرسة التي تمثلها المعرفة المنقولة ، فإن هذا لا ينفك على أن  مفهوم التعلم في المدارس الحديثة لا يختلف عما جاءت به المدارس القديمة ، أي تقديم التعليم التقليدي في صورة جديدة مع تغيير وتجديد في المفاهيم فقط وليس هناك أي انتقال في عملية التعلم لأن اعتبار التعليم أو التدريس عملية تحكمها أقطاب ثلاثة في تحقيق الأهداف هي ضرب في مفهوم التعلم بالكفايات وليس هناك أي تحول أو انتقال من مرحلة الأهداف إلى الكفايات .

إن كرونولوجيا الإصلاح التي شهدها المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم تُظهر بالملموس أنها إصلاحات لمحاولة التعديل ولا تتماشى مع واقع المدرسة ، وذلك أن فشل الإصلاحات التي تقوم بها وزارة التربية الوطنية لا ينطلق من تصورعام  يضم جميع الفئات المكونة للمجتمع المغربي ، فكما يذكر الأستاذ سعيد حليم في كتابه "المدخل إلى علم التدريس" أن البرنامج الإستعجالي  الذي ظهر في 2009 في المغرب ـ كنموذج ـ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. وباء بالفشل ؛ لأن مشكلة الإصلاح البيداغوجي تحتاج أولا إلى إرادة سياسية حقيقية ثم إلى تغيير العقليات والتمثلات وانخراط الجميع في إنجاح التجربة 5.

وذكر أيضا قبل هذا أن الوزارة الوصية على القطاع منذ الإستقلال إلى الآن عملت على استيراد نظريات بيداغوجية لا تراعي خصائص منظومتنا . فما نجح بالغرب ليس بالضرورة أن ينجح عندنا لوجود فوارق كبرى بين العالم المتقدم ، والعالم السائر في طريق النمو . ثم الإصلاح  دائما يفرض من القمة إلى القاعدة . ولذلك فإن أول من يرفض التجديد والإصلاح هو الأستاذ ، فبدل أن يبدأ الإصلاح من المؤسسة فالنيابة، فالأكاديمية، فالوزارة، يبدأ بالوزارة ثم ينزل7 .

والمستفاد من كلام الدكتور أن الإصلاح يجب أن تقلب منطلقاته ويجب البدء بالطفل الصغير في المدرسة إلى الوزار المكلفة بالشأن التربوي وليس العكس ، لأن تلك الشرارة الأولى للنار تكون بأصغر غصن وليس بأكبرها . فلا يمكن للإصلاح أن يبدأ من الذي يُبتغى منه الإصلاح .

وبناء على هذا التصور لا يمكن أن يعزب عن بالنا أن الإشكالية التي تهدم صرح العملية التعليمية التعلمية هو هذه الحكامة التي تقلب الأدوار، فلم يبدو صلاحها لتُرجى ولا فسادها لتنسى . زد على ذلك مشكل التنظير والتطبيق وغلبة الجانب النظري في العملية التعليمية على الجانب التطبيقي الذي يقتضي تنزيل المضامين التي تحتويها المقررات بشكل عملي يضمن توافقهما مع المبتغى المرجو من هذه العمليات التعليمية التعلمية.

فالانتقال من التدريس بالمضامين أو الأهداف إلى التدريس بالكفايات بعيد كل البعد عن تحققه الفعلي داخل الحجرات الدراسية سواء تعلق الأمر بالمستويات التي تحكمها البيداغوجيات بأنواعها ، أو بمستويات التعليم الجامعي الذي تحتويه الأندراغوجيا أو ما يسميه مالكولم نولز8 تعليم الكبار ، وذلك لأن الانتقال في جوهره لا يمس الجوانب التي أعد لأجلها وإنما هو ـ وكما سبقت الإشارة ـ يبدأ من الأعلى وينزل إلى أصغر وحدة في النظام التربوي الذي يمثلها المتعلم ، بالتالي سبقى مجرد قوانين تمليها المجالس العليا ولا يصل مفعولها إلى مرماه .

وليكون هذا الانتقال من الأهداف إلى الكفايات أكثر وضوحا سنطرح تساؤلات من قبيل ، ما الجديد الذي قدمه التدريس بالكفايات ؟ وإذا سلمنا جدلا ـ وكما هو مشهورـ أن الجديد الذي قدمه هذا النمط من التدريس هو تنويع في طرق التدريس، وانتقال من التلقين والشحن إلى الفاعلية والإنخراط الإيجابي للمتعلم بعد ما كان عنصرا مستقبلا لا ينخرط في بناء العملية التعليمية التعلمية ، ولنكون أكثر تدقيقا ؛ هو انتقال من التعليم إلى التعلم . ألا يقودنا هذا إلى تعميق النظر في طبيعة هذا الإنتقال، ونحن قد أقررنا سلفا أن التدريس بالكفايات ماهو إلا تطوير لطرق التدريس وليس تطوير للمواد المدرسة ؟؟ بمعنى آخر الانتقال كان منصبا بالأساس على طرق التدريس وليس المضامين المتضمنة في المقررات . فالتعليم حاصل وطرق تعليمه هي التي تطورت فقط . ولا دخل لعملية التعلم في ذلك ما دام التدريس يتكون من أقطاب ثلاثة ـ ما يعرف بالمثلث الديداكتيكي ـ  هذا الأخير الذي ما إن اختل فيه ركن إلا واعترى عملية التعلم علة النقص أو عدم التوازن ، فكيف نسلم إذن بإمكانية التعلم وتحقيق الكفايات في المتعلم وجعله هو الركن الأساسي والبؤرة التي ينصب حولها كل التحديثات التربوية، والمنطلق الأساسي لهذه العملية ثلاثي التكوين منذ القدم وما يزال وليس ثنائي إن صح التعبير ؟ أي إذ اعتبرنا أن رحى العملية التعليمية التعلمية يمثلها المتعلم ودور المدرس يقتصر على التوجيه والإرشاد فلماذا يظل الحديث عن المثلث الديداكتيكي ساري المفعول ؟ ولماذا وجد المدرس ؟ وهل يتحقق التعلم فعلا إذا كان دور المدرس مقتصر على التوجيه فقط ؟ ماذا عن نتائج المدارس النفسية التي تقر بوجود فروقات في بنية المتعلمين ؟ وهل البيداغوجية الفارقية سيجدي تطبيقها ونحن نعلم أن التوجيه والإرشاد يخدم طائفة من المتعلمين ويقصي بشكل ضمني الشرائح الأخرى التي لا حول لها ولا قوة ؟ وماذا عن نتائج العلوم العصبية التي تعطي تصنيفات للقدرات الذهنية للمتعلمين وتميز بعضها عن بعض في القدرة عن الإدراك ؟...كل هذه التساؤلات تحيلنا على إجابات مختلفة  قد تغوص بنا في ثنايا أدبيات تربوية أكثر تدقيقا ، قد يرى من يدافع عن التصور الذي يقدمه التدريس بالكفايات هو المنقذ من الهوان الذي تعاني منه المدرسة المغربية في مختلف المواد المدرّسة ، بينما يرجئ البعض تسخير هذه المعايير في التدريس إلى إمكانية طرح عناصر أخرى أو نظريات أكثر توافقا مع ما تمليه التغيرات التي يشهدها العالم من ناحية التطور الصناعي والثقافي ، والتلاقح الفكري والانفتاع العلمي بين مختلف الأمم الشعوب ....


قائمة المراجع

أنور محمد الشرقاوي: التعلم نظريات و تطبيقات، مكتبة الأنجلومصرية، القاهرة، د.ط،1991 ، ص 24

المرجع نفسه ، ص 165

والتعديل في هذه النظرية يفهم منه أنه "عملية" يقوم بها المدرس لتصحيح التمثلات والمفاهيم التي كان المتعلم قد تلقاها سواء من محيطه الأسري أو المجتمعي بشكل عام

4ـ فاطمة الزهراء الزولاتي "مقال" ، مفهوم التعلم  مقترحات سيكولوجية ولسانية  ، نقلا عن 

هدى بلمكي "أهمية الوحدات المعجمية وتحت المعجمية في تدعيم استراتيجيات تعليم القراءة والكتابة العربية ، مقاربة لسانية ومعرفية

6ـ الدكتور سعيد حليم "المدخل إلى علم التدريس" جامعة سيدي محمد بن عبد الله ، المدرسة العليا للإساتذة ، فاس ، 2013 2012 ،  ص 39

7ـ المرجع نفسه ، ص 32

8ـ  مالكولم شيبرد نولزMalcolm Knowles  (24 أغسطس 1913 - 27 نوفمبر 1997) مربي أمريكي للكبار اشتهر باعتماد نظرية اندراغوجي، وهو مصطلح ابتدعه المعلم الألماني "الكسندر كاب" يعود الفضل لنولز لأثره الأساسي في تطوير نظرية التعلم الإنساني واستخدام عقود المتعلم أو خطط لتوجيه تجربة التعلم.

شاركه على جوجل بلس

عن issam

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق